ما هو شعور القادة العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية حين احيطوا علما بالخبر الذي بثته وكالات الأنباء يوم الأربعاء الموافق 23 سبتمبر الماضي ،
خاصا بإعراب أنقرة عن «قلقها إزاء العنف الدائر في اليمن».
ربما لم تستوقفهم كثيرا التصريحات الأميركية التي دعت الجيش اليمني والحوثيين إلى وقف القتال الدائر بينهما منذ شهرين، لأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها شرطي العالم.
وربما لم يكترث هؤلاء بمناشدة منظمة «أوكسفام» وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان السلطة في صنعاء فتح الطريق لإيصال المؤن والأغذية لنحو 250 ألف شخص من ضحايا تلك الحرب البائسة، فروا من قراهم وتحولوا إلى «لاجئين» في وطنهم، ذلك أن ما تحدثت به تلك المنظمات هو من صميم عملها الذي تقوم به في مواجهة الأزمات والصراعات حيثما وجدت.
هذا كله مفهوم ومألوف، لكن إعلان أنقرة هو غير المألوف، وإن بات مفهوما، بعدما نجحت تركيا في أن تصبح لاعبا مهما في هذا الجزء من العالم الذي هجرته وأدارت ظهرها له بعد سقوط الخلافة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي.
لكن المشهد اختلف تماما مع دخول القرن الجديد، إذ بدأت تركيا ترنو ببصرها نحو الشرق، بعدما ثبتته طويلا نحو الغرب، إلى أن تولى السلطة حزب العدالة والتنمية منذ خمس سنوات، فأحدث نقلة هائلة في علاقات تركيا بكل جيرانها، إذ تحولت من جسر للعبور والتواصل بين الشرق والغرب، إلى لاعب مؤثر ومهم على الجبهتين.
وهكذا وجدنا تركيا حاضرة في كل الأزمات والملفات العالقة في العالم العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والوضع في العراق والأزمة الأخيرة بين بغداد ودمشق وصولا إلى اتفاق التعاون الإستراتيجي مع دول منطقة الخليج.
هذا الحضور السياسي جاء لاحقا للحضور الاقتصادي القوي الذي طرق أبواب جميع الدول العربية، حتى أصبحت لتركيا مصالح حيوية في هذه الدول، ومن ثم غدا استقرار الأوضاع فيها له مردوده الإيجابي على تلك المصالح.
في هذا السياق احتلت اليمن مكانة لافتة للنظر في السياسة التركية، أولا بسبب موقعها الإستراتيجي المشرف على مضيق باب المندب، وثانيا بسبب جوارها للمملكة العربية السعودية التي تحتفظ تركيا بعلاقات اقتصادية متميزة معها، وثالثا لكونها دولة خليجية، وهي المنطقة التي أصبحت تركيا طرفا مهما في الحفاظ على استقرارها، ورابعا لمواجهة احتمالات النفوذ الإيراني الذي تتحسب له أنقرة، وفي حدود علمي فإن تركيا تمارس نشاطا ثقافيا واجتماعيا ملحوظا في اليمن. إذ أقامت مدرستين هناك، إلى جانب تنوع الأنشطة الإغاثية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني التركي في مناطقها الفقيرة.
فهمت أيضا أن هذه الخلفية شجعت أنقرة على محاولة الاقتراب من ملف الحرب الدائرة في شمال اليمن، التي دخلت عامها الخامس الآن، وأن هناك تفاهما تركيا - قطريا بشأن هذه الخطوة، خصوصا أن قطر كان لها في وقت سابق دورها في عقد اتفاق مصالحة بين الحوثيين والحكومة اليمنية.
الملاحظة المدهشة في كل ذلك أن العالم العربي بما في ذلك الجامعة العربية ما زال يقف متفرجا على مشهد صراع الإخوة الأعداء، بل ان مصر التي ساندت ثورة اليمن وروت أرضها بدماء المئات من أبنائها في ستينيات القرن الماضي، أدارت ظهرها لما يجري، ولم تعرب حتى عن «قلقها» إزاء استمرار القتال في صعدة. علما بأنها الدولة العربية الأكثر قبولا بين الوسطاء الذين يمكن أن يسهموا في إعادة الاستقرار والوفاق إلى اليمن.
إننا نخطئ إذا استغربنا اهتمام تركيا بما يحدث في صنعاء، لأن الخطيئة الكبرى ارتكبناها نحن حين استسلمنا للغيبوبة وانكفأنا على أنفسنا، ومن ثم أحدثنا فراغا تمدد فيه غيرنا.